أفراح ناصر ...من الكتابة باسم مستعار إلى جوائز دولية بحرية الصحافة

كانت أفراح تتابع تكريم الصحفيين والصحفيات الحاصلين على جائزة حرية الصحافة الدولية باهتمام، وتتمنى أن تكون من بين الحاضرين، وفي بداية مشوارها المهني، لم تكن تحلم أو يخطر ببالها أن تكون منهم في يوم ما، على حد قولها في حديث خاص لـ"أطياف"، لكن شغفها بالمهنة وإصرارها على تخطي الصعاب قاداها للفوز بهذه الجائزة، وجوائز دولية أخرى.
أفراح ناصر التي عُرفت كصحافية يمنية مستقلة، تعتبر كل جائزة حصلت عليها بمثابة شهادة على عظمة الصحفيين اليمنيين، الذين رغم كل شيء، لم يتوقفوا عن أداء واجبهم، حد توصيفها فالتكريم الحقيقي هو لهم، وليس لها وحدها، وقد ساهمت لاحقا بالدفاع عن حقوق الإنسان، من خلال عملها في منظمة هيومن رايتس ووتش لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، وتعمل حاليا كزميلة غير مقيمة لدى مركز الدراسات العربي بواشنطن، وقد شكل عملها في مجال الصحافة عنوانا للصمود والإصرار على ممارسة حقها في حرية التعبير والصحافة، إيمانا منها بدور الصحافة في تحقيق العدالة والتغيير.
ولدت أفراح ناصر في أديس أبابا لأب يمني وأم أثيوبية يمنية، ونشأت وترعرعت في حي الرقاص بصنعاء، عاشت بين ثقافتين يمنية وأثيوبية تقول لـ أطياف "لم أكن أعرف كيف أدمج بين العالمين، في أثيوبيا يقولون لي أنت لستِ منا أنتِ يمنية، وفي اليمن يقال بطريقة سلبية إنني أفريقية" كان التمييز الذي تشعر به أفراح تجاهها دافعا لها للقراءة عن تاريخ اليمن والتعمق فيه "أردت أن أثبت لأي شخص يشكك في يمنيتي أنني يمنية 100%".
كان طموح أفراح أن تكون كاتبة صحفية أو روائية، وعند التحاقها بجامعة صنعاء في 2004 أرادت أن تدرس الإعلام ولكن أهلها رفضوا، بحجة أن الإعلام ليس له مستقبل، متأثرين في ذلك الوقت بوقوع حوادث اعتقالات ومحاكمات لصحفيين، وحسب تعبيرها، فقد رغّبتها والدتها بدراسة الاقتصاد -وهو تخصص والدتها- إلا أن أفراح لم تجد نفسها هناك وغيرت التخصص من الاقتصاد إلى اللغة الإنجليزية، وقد حصلت على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة صنعاء، والماجستير في الاتصال من جامعة غوتنبرغ في السويد حيث تقيم منذ 2011.
كانت أفراح تمارس الكتابة باسم مستعار أثناء دراستها، حيث كانت تكتب لصحيفة يمن أوبزرفر وصحيفة يمن تايمز، تقول "كنت أكتب وأنشر لكل الصحف التي أجدها، وكان شم رائحة الجريدة يشعرني بمتعة غير طبيعية، وكان هاجسي الأكبر هو رؤية اسمي في الجريدة في يوم ما"
بعد حصولها على البكالوريوس عملت أفراح سكرتارية لدى شركة بترولية، وفي الوقت نفسه تقول "ذهبت إلى صحيفة يمن أوبزرفر وأخبرتهم أنني كتبت لهم باسم مستعار من قبل، فقبلوا أن أعمل معهم بالمراسلة وعندها بدأت أكتب باسمي، وتركت عمل السكرتارية ".
عملت أفراح ناصر لثلاث سنوات في العمل الصحفي لدى يمن أوبزرفر، تناولت كتابتاها المواضيع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، تقول "كتبت في كل المواضيع ما عدا السياسة، هذا كان شرط والدتي، ولكن عند قيام ثورة 2011 لم أجد غير السياسة، هل يعقل أن أكتب عن الطبخ مثلا أثناء الثورة؟ وحينها كنت منحازة للعدل، لا يعقل أن أشاهد قنص الشباب الثوار وأسكت" وعندما كتبت أفراح تقريرا عن المظاهرات في يمن أوبزرفر قيل لها أنه غير مقبول، عندها أصبحت تكتب عن أحداث الساحة في مدونتها، ووجدت معارضة من والدتها التي ترفض بشدة أن تخوض ابنتها في السياسة الخطيرة.
وحسب تعبير أفراح وصلتها رسالة تهديد من شخض مجهول، "أمك وأختك سيكونا ثمن طيشك"، تعتقد أن من أرسلها من أنصار الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، حينها أدركت أن الموضوع جد خطير، وشعرت أن عليها القيام بفعل شيئا ما، لحماية أمها وأختها، فقامتْ بنشر صورة من التهديد على مدونتها وشرحت سياقه باللغة الإنجليزية، ولقيت تفاعلا وتضامنا واسعين، حيث أدرجت شبكة CNN مدونتها ضمن أهم عشر مدونات في الشرق الأوسط، وصنفت مدونتها ضمن أهم 30 مدونة في الشرق الأوسط من قبل المونيتور.
في أثناء نشاطها في المظاهرات وصل أفراح إيميل يخبرها بقبولها لحضور ورشة صحفية في السويد، كان يفترض أن تمكث في السويد لأسبوعين فقط مدة الورشة، لكنها مكثت فيها لسنين، إذ إن الاشتباكات اندلعت في صنعاء بين الثوار والنظام، وأُغلق مطار صنعاء، تصف أفراح الوضع حينها بالقول "أخبرتني أمي أنهم نزحوا من البيت بسبب الاشتباكات، وأنه يمكنني القدوم عبر مطار عدن، لكنها حذرتني من أني إذا عدت فلن أكتب كلمة واحدة، الأمر الذي جعلني في مفترق طرق أعود ولا أكتب، أو أبقى وأكتب"
لم يكن سهلا عليها أن تختار حياة بلا كتابة، لهذا قررت أفراح البقاء في السويد لفترة مؤقتة، وقدمت لجوء وقُبلت، كونها صحفية مهددة إذا رجعت لبلادها واستمرت في الكتابة.
استطاعت أفراح بفضل علاقاتها في اليمن وقدرتها على الحصول على المعلومات كما تقول أن تغطي الملف اليمني من مقرها في السويد، وكتبت لدى عدد من المنصات الإعلامية العربية والأجنبية في الشأن اليمني، مثل الجزيرة الإنجليزية و CNN والمونيتور وغيرها.
لاحقا عملت أفراح ناصر مع منظمة هيومن رايتس ووتش لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن في الفترة بين عام 2019 و 2022، وكان دافعها لهذا العمل حد قولها لـ "أطياف" هو "تحقيق العدل بالأداة التي أملك وهي الكتابة" متجاوزة عدة صعوبات، كصعوبة الوصول للأشخاص المتضررين أو خشيتهم الحديث لقلة الثقة لديهم أو خوفا من الانتقام، إلى جانب صعوبة التحقق من الوقائع في ظل التضليل الإعلامي، وعدم وجود آليات حقيقية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها جهات لا ترغب بكشف الانتهاكات، وكذلك الأثر النفسي لقصص الضحايا، إذ يحتم العمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان إجراء مقابلات مع أهالٍ فقدوا أحباءهم إثر غارات جوية، أو أمهات فقدن أبناءهن في حالات اختفاء قسري لا يعرفن مصيرهم والكثير من القصص المؤلمة.
ووفقا لكلام أفراح كانت إحدى أكثر القصص تأثيرا فيها، هو تحقيقها في قضية مقتل عبدالملك السنباني الذي كان زميلا سابقا لها في صحيفة يمن أوبزرفر، حيث قُتل السنباني في جنوب اليمن بعد قدومه من غربة طويلة في الولايات المتحدة، تقول أفراح " أثناء المقابلة الهاتفية مع ابن عمه، لم أتمالك نفسي وانهمرت باكية. ما هذا العبث؟! كيف يمكن لنا نحن اليمنيين أن نتحمل كل هذا الموت والألم؟ كنت أردد ذلك في نفسي".
استطاعت أفراح ناصر توثيق انتهاكات إنسانية جسيمة في اليمن عن بعد، أثناء عملها لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، وأُدرجت بعضا من تقاريرها في هذا الجانب في تقارير الأمم المتحدة، إلى أن تركت العمل لدى المنظمة في 2022 بعد أن شعرت أنها أُستنزفتْ لصعوبة العمل عن بعد أثناء جائحة كورونا.
حصلت أفراح ناصر على عدد من الجوائز والتكريمات في المجال الصحفي كان من أبرزها جائزة داويت إسحاق 2014والتي تقول عنها "لم يكن مجرد تكريم، بل كان اعترافًا بقيمة الصحافة المستقلة في بيئات القمع والصراع، حيث يصبح قول الحقيقة فعلًا محفوفًا بالمخاطر."
وتضيف " شعرت حينها بمزيج من الفخر والمسؤولية، لأن الجائزة لم تكن فقط تقديرًا لعملي، بل تذكيرًا بأن هناك الكثير من الصحفيين الذين لا يزالون يعانون في صمت، تمامًا كما هو حال داويت إسحاق، الصحفي الإريتري الذي سُميت الجائزة باسمه ولا يزال محتجزًا حتى اليوم بسبب دفاعه عن حرية التعبير".
وفي 2017 حصلت أفراح على جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين، وتعليقا على حصولها على جائزتين دوليتين في مجال حرية الصحافة تقول "حصولي على جائزتين دوليتين هو تقدير أعتز به، لكنه في الحقيقة ليس تكريمًا لي وحدي، بل هو تكريم للصحافة اليمنية بأكملها، ولكل الصحفيين اليمنيين الذين يواصلون عملهم رغم القمع، والتهديدات، والظروف القاسية." وتضيف " لذلك، كل جائزة أحصل عليها أراها شهادة على عظمة الصحفيين اليمنيين، الذين رغم كل شيء، لم يتوقفوا عن أداء واجبهم. فالتكريم الحقيقي هو لهم، وليس لي وحدي."
وفي مجال متصل بحرية الصحافة شاركت أفراح ناصر كعضو في لجنة تحكيم جائزة سمير قصير لحرية الصحافة 2023، وعن تلك المشاركة تقول "هذه الجائزة ليست تكريمًا فرديًا فقط، بل هي رسالة جماعية تؤكد أن الصحافة الحرة لا تزال صامدة، وأن هناك من يدعمها ويقف بجانبها."
ووفقا لتعبيرها، فإن المساهمة في هذه الجائزة هي أيضًا طريقة للحفاظ على إرث سمير قصير، الذي تم اغتياله بسبب التزامه بالحقيقة، فصار رمزًا للنضال من أجل حرية الصحافة، وكون أفراح جزءًا من هذا المسار هو تأكيد لإيمانها الراسخ بدور الصحافة في تحقيق العدالة والتغيير.
تسعى أفراح ناصر حاليا إلى تعزيز دورها كصوت مؤثر في مجال حقوق الإنسان والصحافة الحرة، والمساهمة في تحقيق العدالة والحرية في اليمن والمنطقة، من خلال الكتابة التحليلية والبحث الاستقصائي الذي يكشف عن الحقائق ويُسهم في صناعة سياسات أكثر عدلاً. وتطمح مستقبلا إلى تأسيس مؤسسة إعلامية يمنية تسلط الضوء على القضايا العميقة في اليمن، من خلال منصات إعلامية مستقلة ومهنية وحديثة، توفر صوتًا للضحايا وتعزز الحرية الصحفية.
تعتبر أفراح الصحفيان الراحلان: الدكتورة رؤوفة حسن وعبد الحبيب سالم مقبل، قدوتها في المجال الصحفي، في ختام حديثها لنا تنصح الصحفيين الشباب، بإتباع شغفهم وتعلم المهارات الصحفية المعاصرة.
وحدة - حرية - استقلال
صمم الموقع بواسطة [حاتم]