تهريب المخدرات في زمن الحرب... كارثة تسير إلى مزيد

في قلب الفوضى اليمنية، وبين ركام الحرب المستعرة منذ 2015، وجدت المخدرات طريقها للانتشار كالنار في الهشيم، استغل تجار السموم الانهيار الأمني والتدهور الاقتصادي، لينسجوا شبكات تهريب معقدة، ممتدة من عمق الأراضي اليمنية حتى تخوم الحدود السعودية.
تشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية في صنعاء إلى أرقام صادمة: أكثر من 40 طناً من الحشيش ومواد مخدرة أخرى تم ضبطها في 260 قضية، و590 متهماً أُلقي القبض عليهم خلال العام 1445هـ، ارتفاعٌ ملحوظ عن الأعوام التي سبقت اندلاع الحرب.
وفي المقابل، أعلنت الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة التابعة لحكومة عدن عن ضبط أكثر من 351 طناً من الحشيش، إلى جانب 21 مليون حبة مخدرة، و159 كيلوغراماً من مادة الشبو، و808 كيلوغرامات من الكوكايين، بالإضافة إلى أكثر من مليون أمبولة مخدرة و444 كيلوغراماً من الهيروين، وذلك بين عامي 2015 و2022، وفقاً لتقارير صحفية.
وفي ذات السياق كشفت إحصائية حديثة لإدارة مكافحة المخدرات بالبيضاء حصريًا لـ "أطياف"، عن تمكن الإدارة خلال الفترة الممتدة من عام 2020 وحتى بداية عام 2025 من ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة المتنوعة. وشملت المضبوطات 3989 قالبًا من الحشيش المخدر، منها 75 قالبًا من الهيروين و15 قالبًا من مخدر الشبو، إضافة إلى 1681 حبة من مادة الكبتاجون. وخلال نفس الفترة، نجحت جهود الإدارة في القبض على 215 شخصًا كانوا مطلوبين على ذمة قضايا تتعلق بالمخدرات.
يرى رئيس قسم التحقيقات بإدارة مكافحة المخدرات بالبيضاء الرائد احمد عبده- أن تدهور الوضع الاقتصادي، وانتشار البطالة، وانقطاع المرتبات، والاعتقاد الخاطئ في زيادة الأداء والقدرة على العمل والسهر والمذاكرة بين الشباب، كذلك تقليد بعض الشخصيات المشهورة التي تتعاطى المخدرات، وسوء التربية وقلة الاهتمام من الوالدين بتربية الأبناء على القيم والفضيلة، وغياب الوعي الصحي، عوامل رئيسية دفعت الشباب نحو الهاوية، وأضاف أن المراهقين تحديداً، تحت ضغط الحرب وتفكك المجتمع، باتوا يبحثون عن ملاذات وهمية عبر تعاطي المخدرات.
نجم (اسم مستعار)، أحد المتعافين من الإدمان يحكي لـ"أطياف" عن تجربته المريرة مع المخدرات، قائلاً: "بدأت أتعاطى وأنا في الثامنة عشرة من عمري، كانت قطعة صغيرة، أهداها لي أحد أصدقائي مجاناً، شعرت حينها أنني وجدت السعادة، لكنها كانت مجرد وهم قاتل"، ويضيف بأسى: "زاد تعاطي المخدرات من عدائيتي تجاه أسرتي، كنت ألومهم على كل شيء دون أن أفهم لماذا"،
من جهته، يؤكد "النقيب ماجد القبيسي "، من إدارة البحث الجنائي بمحافظة البيضاء، أن تعاطي المخدرات ازداد بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، مشيراً إلى ارتباط الجرائم البشعة غالباً بالمتعاطين والمدمنين، واستشهد بجريمة حديثة، حيث أقدم أحد المهمشين، تحت تأثير المخدرات، على محاولة الاعتداء الجنسي على أفراد من أسرته، قبل أن يتدخل الجيران لإنقاذهم ويتم القبض عليه.
ويضيف القبيسي أن من ضمن المعالجات لمحاربة هذه الظاهرة دور الخطباء والمثقفين والشخصيات الإجتماعية والمشائخ وعقال الحارات إضافة إلى تنظيم حملات توعية في المدارس بالتنسيق مع مكاتب التربية والتعليم والجهات الأمنية ومكتب الصحة والتوجيه المعنوي بأوقات متفاوتة للتوعية بمخاطر هذه الآفة.
ورغم أن القانون اليمني رقم (3) لسنة 1993 يفرض عقوبات صارمة تصل إلى الإعدام أو السجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 25 عاماً بحق المتاجرين والمروجين والمتعاطين، إلا أن التنفيذ على أرض الواقع يواجه عوائق عدة.
ويرجع "النقيب حسين الجنيد" مسؤول إدارة العلاقات بأمن البيضاء أن الفشل في مكافحة المخدرات يعود إلى الانقسام السياسي في اليمن، وانعدام التنسيق بين الأجهزة الأمنية المتنازعة، مما خلق بيئة خصبة للمهربين الذين استغلوا هذه الفوضى، وبدلاً من توحيد الجهود، يتقاذف الجميع الاتهامات، والنتيجة فشل مشترك.
ويكشف "زكريا صادق"، قائد إحدى النقاط الأمنية بمحافظة البيضاء، أن المهربين باتوا يستخدمون أساليب تمويه معقدة، من بينها استغلال النساء لتسهيل نقل المخدرات، واستخدام هواتف "الثريا" الفضائية وتشفير الرسائل لتفادي المراقبة.
من جهته يقول مدير مكتب إدارة مكافحة المخدرات في محافظة البيضاء "النقيب إياد البركاني" لـ"أطياف" أن تجار الحشيش لا يكتفون باستخدام اليمن كممر لتهريب بضائعهم، بل يعملون على إغراقه بالسوق السوداء، وتشير التقارير إلى أن أكثر أنواع المخدرات دخولاً إلى البلاد هي الكبتاجون والشبو والهيروين.
في هذا السياق يشدد الشيخ (صالح محمد) (خطيب وإمام مسجد) على أن المخدرات، مثلها مثل الخمر، من المحرمات شرعاً، داعياً إلى تفعيل دور المؤسسات الدينية والاجتماعية في نشر التوعية، وبث قيم الأخلاق بين أوساط الشباب.
ورغم الجهود المبذولة، إلا أن الفساد وضعف المؤسسات، وانشغال البلاد بالحرب، جعل من الصعب تطبيق استراتيجيات فعالة، لمكافحة هذه الآفة، حيث تفتقر السلطات للموارد الكافية، بينما تستمر النزاعات المسلحة في عرقلة كل مبادرة إصلاح.
وحدة - حرية - استقلال
صمم الموقع بواسطة [حاتم]