التعليم في خدير: عندما يُصبح التلميذ معلّمًا

عنوان البروفايل
# أمين الفارعي

قبل عامين، وجد (عمرو خالد) نفسه واقفًا أمام سبورة الفصل، لا كمُتلقي علم، بل كمعلّم، كان لا يزال طالبًا في الصف الثامن، لكنه اضطر لامتهان التعليم بسبب الحاجة، يتقاضى عشرين ألف ريال شهريًا، وهو مبلغ لا يكاد يغطي تكاليف المواصلات بين منزله ومدرسته.


يقول عمرو، وهو الآن في العشرين من عمره، لـ (أطياف) "لم أفكر يومًا أن أكون معلمًا، لكن سوء الأوضاع المعيشية والتعليمية أجبرني على ذلك، منذ ثلاث سنوات وأنا أدرّس فصلًا ابتدائيًا، وفي الوقت ذاته أواصل دراستي في المرحلة الثانوية، لكن الأمر انعكس سلبًا على مستواي التعليمي؛ بالكاد أحضر دروسي، ولم أعد أعرف مدرستي إلا وقت الامتحانات".


مدارس بلا معلّمين

ما يحدث في مديرية خدير بمحافظة تعز جنوب غرب اليمن، يعكس واقعًا مأساويًا لمنظومة تعليمية تنهار تدريجيًا، فقد بات عدد كبير من الطلاب والمعلمين يغادرون الصفوف الدراسية، إما بحثًا عن فرص أفضل أو هربًا من واقع لا يُطاق.


التربوي عبد الرحمن السامعي، مدير مدرسة معاذ بن جبل، يصف الوضع قائلًا: "منذ توقف الرواتب عام 2016، بدأ التعليم يتدهور بشكل متسارع، الكثير من المعلمين تركوا المهنة والتحقوا بأعمال أخرى تعينهم على إعالة أسرهم، ومع غياب الكوادر المؤهلة، لجأنا إلى الشباب المتطوعين، رغم أنهم يفتقرون للخبرة، وندفع لهم مبالغ بسيطة كمكافأة شهرية من تبرعات الطلاب".


تشير بيانات كتلة التعليم في اليمن إلى وجود أكثر من 2،6 مليون طفل خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة، فالحرب المستمرة منذ عام 2015، وانهيار الاقتصاد، ونقص الأمان، كلها عوامل فاقمت من أزمة التعليم، وحرمت ملايين الأطفال من حقهم الأساسي.

أمهات يعلّمن أبناءهن

في ظل هذا الانهيار، تُجبر الأسر على اتخاذ قرارات صعبة، أم فراس، وهي ربة منزل من خدير، تقول لـ "أطياف": "لدي ثلاثة أبناء، لكنهم يعودون من المدرسة كما خرجوا، دون أن يتعلموا شيئًا، قررت أن أعلّم ابنتي الصغرى في المنزل بعدما رأيت حال التعليم المتدهور، ابنتي هاجر تقول إن معلمتهم لا تتجاوز العشرين، وغالبًا ما تنشغل بهاتفها وتطلب منهم نقل الدروس عن السبورة دون أي شرح"، وتُحمّل أم فراس المسؤولية الجهات المسؤولة بمكتب التربية والتعليم بالمديرية عن غياب الكفاءات في أوساط المعلمين، مؤكدة أن التعليم تحوّل إلى روتين بلا معنى، وأن أبناءها رغم ذكائهم، باتوا يعودون بخيبة أمل كل يوم.


الدولة.. خارج التغطية؟

ورغم كل هذا، يغيب دور الجهات الرسمية في الرقابة والتقويم، مدير مكتب التربية في المديرية، الأستاذ يوسف الزيلعي، يؤكد لـ "أطياف" حرصهم على سير العملية التعليمية، ويقول: "نحن ندرك تمامًا خطورة الوضع، ولكن غياب المعلمين الأكفاء دفعنا إلى الاستعانة بشباب غير مؤهلين، لسد الفراغ فقط، ومع بداية العام الدراسي الماضي، أصدرنا تعميمًا يمنع قبول أي مدرس دون شهادة الثانوية العامة كحد أدنى."


ويختتم الزيلعي حديثه بالتأكيد على سعيهم لتحسين البيئة التعليمية رغم التحديات الاقتصادية والإنسانية القاسية التي تمر بها البلاد.


في ظل هذا الواقع المرير، تتلاشى ملامح التعليم الحقيقي في خدير، حين يصبح التلميذ معلّمًا، وتتحول المدارس إلى قاعات خالية من المعرفة، لا يُمكن الحديث عن مستقبل، بل عن جيل مهدد بالضياع.

الأكثر قراءة

مقالة 1 أفراح ناصر ...من الكتابة باسم مستعار إلى جوائز دولية بحرية الصحافة
مقالة 2 أيوب طارش..صوت القلب ونبض الوطن والأرض
مقالة 3 هديل مانع لـ"أطياف": المجتمع اليمني مشكلة لأي فنان وزواجي المبكر كان عائقا أمام طموحاتي الفنية
مقالة 3 الكابتن علي النونو لـ"أطياف" "وزير الرياضة ليس رياضيا"
مقالة 5 المتطوع الناشط...يحيى الحيمي

اشترك في نشرتنا البريدية

نسر يمني

الجمهورية اليمنية

وحدة - حرية - استقلال

صمم الموقع بواسطة [حاتم]