غزة بين إسناد اليمنيين..وتخاذل حكام العرب

عنوان البروفايل
# مهيب الكولي

في كل عدوان على غزة، تتكرر المشاهد ذاتها: جماهير عربية غاضبة تملأ الشوارع، ترفع الأعلام الفلسطينية، وتهتف للحرية، بينما تسير الحكومات على خيط رفيع بين التضامن اللفظي والحسابات السياسية الدقيقة. مقابل ذلك، نجد الولايات المتحدة تقدم دعمًا ثابتًا، واضحًا ومباشرًا للعدو الصهيوني، لا تحكمه اعتبارات أخلاقية ولا حسابات للرأي العام العالمي.


الأمريكيون لا يكتفون بإصدار بيانات «قلق»، بل يرسلون السلاح، ويعطلون قرارات مجلس الأمن الصادرة ضد المحتل الإسرائيلي بلا تردد. كل رئيس أمريكي، ديمقراطيًا كان أو جمهوريًا، ظل ملتزمًا بهذا الولاء السياسي. أما الموقف العربي، رغم ما يظهر من شجب البيانات الرسمية، فيبقى مقيدًا بضوابط التحالفات الدولية والخوف من التبعات الاقتصادية والسياسية.


نعم، هناك تضامن عربي واسع مع غزة، ولكن التضامن الشعبي لا يكفي وحده. فبينما تحاصر غزة وتُقصف لأشهر، تكتفي كثير من العواصم العربية بإرسال مساعدات غذائية يقصف العدو الصهيوني معظمها؛ أو بيانات شجب لا تغير شيئًا على الأرض. حتى الدول التي تحتفظ بعلاقات وثيقة مع المقاومة، مثل قطر، تركز جهودها على الجانب الإنساني وإعادة الإعمار أكثر مما تضغط سياسيًا على من يشن العدوان.


الأردن ومصر، رغم ارتباطهما الجغرافي والسياسي الوثيق بفلسطين، يبدوان عاجزين عن الذهاب أبعد من دور الوسيط أو الفتح الجزئي لمعبر رفح بعد التنسيق الأمني مع المحتل. أما بقية الدول العربية -ما عدا اليمن- فلا تملك سوى دعوات للتهدئة لا تغضب واشنطن ولا تزعج تل أبيب.


في المشهد اليمني، تظهر مفارقة لافتة؛ برزت صنعاء بصوتٍ مختلف، لا يعرف المجاملة ولا الدبلوماسية العقيمة.

بينما اكتفى كثيرون ببيانات الشجب والاستنكار، مضت قوات صنعاء إلى الفعل الحقيقي: أطلقت صواريخها ومسيراتها نحو العدو الصهيوني، معلنة أن هناك من ما زال يؤمن أن فلسطين لا تتحرر بالخطب، بل بالفعل.


مجلة «The War Zone» المتخصصة في الشؤون العسكرية، وصفت الهجمات اليمنية بأنها «فتحت جبهة تهديد غير متوقعة لإسرائيل»، وأشارت إلى أن تل أبيب اضطرت إلى «تحريك بطاريات دفاعية متطورة إلى الجنوب» لحماية منشآتها في إيلات، ما أدى إلى خلق «ثغرات دفاعية حساسة» في مناطق أخرى أشد حيوية.


ولم يتوقف الأثر عند الجانب العسكري فقط. بل إن الخبير العسكري الأمريكي **تايلر روجواي** شدد في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الأمريكية، على أن «كلفة التصدي لصواريخ ومسيرات اليمن أصبحت عبئًا ماليًا ثقيلًا على الجيش الإسرائيلي»، في وقت يعيش فيه الاحتلال أصعب فترات استنزافه بفعل حربه على غزة.


ومن بين أكبر الخسائر التي تلقاها الاحتلال بفعل العمليات اليمنية، كانت ضربة ميناء « إيلات».

فقد كشفت صحيفة «ذا ماركر» الاقتصادية الإسرائيلية أن النشاط التجاري في ميناء إيلات تراجع بنسبة 85% منذ بداية الهجمات، ما أدى إلى خسائر مباشرة تقدر بملايين الشياكل شهريًا، واضطرابات غير مسبوقة في حركة الملاحة التجارية جنوب إسرائيل.


هذه الأرقام لم تكن مجرد أضرار اقتصادية، بل جاءت كرسائل قاسية هزت الثقة الصهيونية بمفاهيم الحماية والردع، أما الولايات المتحدة، الحليف الأكبر للكيان الصهيوني، فقد وجدت نفسها مضطرة إلى مضاعفة حضورها العسكري في البحر الأحمر.


بحسب تقرير نشرته صحيفة (بوليتيكو) الأمريكية، اضطرت البحرية الأمريكية إلى «تعزيز انتشارها البحري بشكل طارئ»، بعد أن باتت السفن التجارية والعسكرية تواجه تهديدات مستمرة من الطائرات المسيّرة اليمنية، ما زاد من الكلفة التشغيلية وأربك الخطط الأمريكية في الإقليم.

كل هذه الوقائع تكشف أن صنعاء لم ترسل صواريخها فقط ، بل أرسلت رسالة مدوية للعالم: أن الأمة ما زالت قادرة على المقاومة، رغم الحصار والجراح، وأن الكرامة لا تباع ولا تشترى.

اليوم، وبينما تتكالب قوى الاحتلال على غزة وتشتد الضغوط على شعوبنا العربية، تبرز صنعاء كأيقونة عزّ لا تخضع لمعادلات الخوف ولا تساوم على مبادئها.

فعلت ما عجز عنه كثيرون: قلبت الطاولة في وجه العدو، وأعادت رسم معادلات الردع بقوة الإرادة، قبل قوة السلاح.


والحقيقة التي يجب أن نواجهها أن الموقف العربي الرسمي المتخاذل تجاه القضية الفلسطينية تآكل تدريجيًا. لم يعد هناك مشروع عربي موحد لدعم فلسطين. باتت كل دولة تتحرك وفقًا لأولوياتها ومصالحها الخاصة، وغابت الرؤية الاستراتيجية الجماعية التي تجعل من فلسطين أولوية لا مجرد ورقة تفاوضية.

في المقابل، على الشعوب العربية أن تدرك أن واجبها لا يقتصر على التظاهر. فالضغط الشعبي، وإن كان مهمًا، يحتاج إلى استمرارية وتنظيم وتحول إلى أدوات ضغط حقيقية: اقتصادية، إعلامية، سياسية. وكما أثبتت التجارب، فإن الشعوب حين تتحرك بجدية تستطيع فرض التغيير، مهما بدا المشهد قاتمًا.


وفي الختام، يبقى السؤال المطروح علينا جميعًا: متى يصبح دعمنا لفلسطين بحجم الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي؟ متى نملك الإرادة السياسية التي لا تتوقف عند حدود الخطابات، بل تتجاوزها إلى مواقف عملية تصنع الفارق؟



الأكثر قراءة

مقالة 1 أفراح ناصر ...من الكتابة باسم مستعار إلى جوائز دولية بحرية الصحافة
مقالة 2 أيوب طارش..صوت القلب ونبض الوطن والأرض
مقالة 3 هديل مانع لـ"أطياف": المجتمع اليمني مشكلة لأي فنان وزواجي المبكر كان عائقا أمام طموحاتي الفنية
مقالة 3 الكابتن علي النونو لـ"أطياف" "وزير الرياضة ليس رياضيا"
مقالة 5 المتطوع الناشط...يحيى الحيمي

اشترك في نشرتنا البريدية

نسر يمني

الجمهورية اليمنية

وحدة - حرية - استقلال

صمم الموقع بواسطة [حاتم]